الأربعاء، 16 نونبر 2011

الرهان - تأليف: أنطون تشيخوف - ترجمة : محمد بوزيدان









كانت ليلة خريفية قاتمة الظلمة ، الصراف العجوز يتجول في غرفته من زاوية لأخرى، يتذكر حفل استقبال نظمه قبل خمسة عشر عاما في أحد أيام الخريف.

حضر ذلك الحفل شخصيات تتمتع بذكاء كبير ، تناقش مختلف القضايا بمهارة عالية ، من بين المواضيع التي أثارت جدلا كبيرا في تلك الأمسية عقوبة الإعدام. غالبية المدعوين – أكادميون ، إعلاميون ، مهندسون و أطباء – لا يؤيدون استمرار قتل الناس بحكم المحاكم و يجدون فيه طريقة قديمة للاقتصاص عديمة الفائدة و غير أخلاقية للأمم المسيحية، البعض قال بأن حكم الإعدام يجب أن يستبدل بالسجن المؤبد.
لست متفقا – قال صاحب البيت – لم أجرب الإعدام و لا السجن المؤبد و لكن الإعدام في رأيي أكثر إنسانية و رحمة من السجن المؤبد ، الإعدام يقتل في ثانية و المؤبد يفعل نفس الشيء و لكن على امتداد سنوات طويلة ، هل نفضل العدو الذي ينتزع روحنا في برهة من الزمن أم الذي يطيل مدة عذابنا و يقتلنا في نهاية المطاف.
كلاهما غير أخلاقي – لاحظ أحدهم – لأنهم يؤدون إلى نفس النتيجة: القتل. الدولة ليست إلها ، ليس لديها الحق في انتزاع شيء لا يمكنها رده.
من بين المدعوين كان هناك محام شاب ذو خمسة و عشرين عاما ، عند سؤاله حول رأيه في الموضوع أجاب:
ـ الإعدام و السجن المؤبد سيان، و لكن إذا أتيحت لي فرصة الاختيار فلن أتردد في الاختيار الثاني ، الحياة بأي طريقة خير من الفناء.
كان نقاشا ساخنا ، الصراف – الذي كان حينها مفعما باندفاع الشباب – ضرب بقبضة يده فوق أقرب منضدة منه و صاح في الشاب المحامي:
ـ غير صحيح ، أراهن بمليونين على أنك لن تتحمل سجن خمس سنوات.
ـ إذا كنت تتكلم بجد – أجاب المحامي – سأراهنك ليس على خمس سنين و إنما على خمسة عشر سنة.
ـ حسنا –  قال صاحب البيت – أيها السادة ، إني أضع مليونين كاملين.
- اتفقنا، أنت تضع المليونين و أنا أقدم حريتي – قال الشاب -
لم يعارض أحد هذا الرهان السخيف ، فاتفق الطرفان على إنفاذه. الصراف الذي لا يعرف عدد ملايينه  كان متحمسا ، و أثناء العشاء لم يتوقف عن إهانة المحامي ، حيث قال له:
ـ فكر في الأمر جيدا أيها الشاب قبل فوات الأوان ، بالنسبة لي مليونان لا يعنيان شيئا ، لكن أنت ستخسر ثلاث أو أربع سنوات هي الأجمل في حياتك، أقول ثلاث أو أربع سنوات فقط لأنه لا يمكنك تحمل أكثر، و لا تنسى أيها البائس أن سجنا اختياريا سيكون قاسيا عليك، إن إمكانية مغادرتك في أية لحظة ستسمم عليك مقامك فيه ، إني آسف على وضعك.
في هذه اللحظات و الصراف يذرع الغرفة جيئة و ذهابا ، يتذكر كل تلك الحكاية و يسائل نفسه ، لماذا راهنت ؟ ما فائدة ضياع خمسة عشر سنة من حياة المحامي و خسراني للمليونين ؟هل نفع كل هذا في حسم قضية حكم الإعدام و السجن المؤبد ؟ لا ثم لا، إنه هراء و خطأ كبير. من جانبي كانت نزوة رجل سعيد و مغرور و من جانب المحامي كانت طمعا في المال. أخذ العجوز يتذكر مجريات الأحداث بعد تلك الليلة.
تقرر أن يمضي المحامي مدة سجنه في كوخ تابع لبيت الصراف تحت نظر حراسه ، اتفق الطرفان على أنه طيلة خمسة عشر عاما يمنع عليه تجاوز عتبة الكوخ أو مشاهدة أي إنسان أو سماع أصوات بشرية أو تلقي الرسائل و الجرائد ، بالمقابل سمح له بآلة موسيقية و قراءة الكتب و كتابة الرسائل و طلب النبيذ و التدخين.لا يمكن أن يتواصل مع العالم الخارجي إلا بالصمت و ذلك من خلال نافذة صغيرة أعدت لهذا الغرض ، و عبرها يحصل على طلباته من خلال كتابتها في أوراق خاصة و بالكمية التي يريد. كان الاتفاق واضحا في منع أي شكل من أشكال التواصل مع الآخر و في تحديد مدة السجن خمسة عشر سنة تبدأ في الساعة الثانية عشر من يوم الرابع عشر من شهر نونبر سنة 1970 و تنتهي في نفس الساعة و اليوم من عام 1985 ، و أي محاولة لمخالفة هذه الشروط من طرف المحامي تحرر الصراف من أداء المبلغ المتفق عليه.
في السنة الأولى من سجنه عانى المحامي من الوحدة و الملل ، على الرغم من إنكاره ذلك في قصاصاته التي كان يكتبها. بين الفينة و الأخرى تنبعث من كوخه أنغام البيانو و كان يرفض النبيذ و السجائر ، لأن النبيذ يوقظ الأحلام و الملذات و هما خصمان كبيران للسجين ، و ليس هناك شيئ أفظع من شرب نبيذ جيد و عدم مشاهدة أي شيئ ، و بالنسبة للسجائر فإنها تلوث هواء الغرفة. في هذه السنة كان يطلب كتبا أدبية ، روايات رومانسية ، قصص الخيال العلمي و الجريمة و الكوميديا...
في العام الثاني تخلى المحامي السجين عن الموسيقى فلم يعد يسمع أثر البيانو و بدأ يطلب الكتب القديمة. في السنة الخامسة عادت أنغام الموسيقى إلى الكوخ و أخذ السجين في طلب النبيذ ، لم يكن يفعل شيئا آخر غير الأكل و الشرب و البقاء فوق السرير متثائبا و محدثا نفسه ، حتى الكتب لم يعد يقرأها ، و عند الليل يكتب بنهم و لمدة طويلة و في الفجر يمزق كل ما كتبه ، و بين الفينة و الأخرى كان يدخل في نوبات من البكاء.
في النصف الثاني من السنة السادسة أقبل السجين بحماس كبير على دراسة اللغات و الفلسفة و التاريخ ، درس هذه العلوم بمهارة و سرعة حتى أن الصراف العجوز كان يسابق الزمن لتوفير الكتب له.
على امتداد الأربع سنوات الأولى كان العجوز يطلب الكتب لسجينه بواسطة البريد حيث توصل المحامي بحوالي ستمائة كتاب.
في أواخر العام السادس توصل العجوز برسالة من المحامي يقول فيها:
" عزيزي السجان ، أكتب إليك هاته الأسطر بست لغات ، اعرضها على علماء اللغة ليقرأوها ، إذا وجدوها خالية من الأخطاء أتوسل إليك أن تعلمني بذلك بإطلاق رصاصة في سماء الحديقة ، هذه الطلقة ستخبرني أن مجهوداتي لم تذهب سدى، عباقرة كل الأزمان و الأوطان يتحدثون لغات مختلفة و يسكنهم هاجس واحد ، آه لو علمت أن ذلك الهاجس 
 أنفذ الصراف بسخاء ما طلبه السجين ، فأطلقت رصاصتان.!العظيم يسكنني و أني أفهمهم
انطلاقا من العام العاشر كان المحامي يمضي جل وقته جالسا على الكرسي لا يتحرك أبدا ، يقرأ الكتاب المقدس بخشوع و تأمل. بدا الأمر غريبا للصراف العجوز فكيف لرجل قرأ ستمائة مجلد في أربع سنوات و في علوم صعبة و مختلفة يقضي ما يقارب السنة في قراءة !كتاب سهل و صغير

بعد فراغه من دراسة الإنجيل طلب المحامي كتبا جديدة حول تاريخ الأديان و اللاهوت.
في السنتين الأخيرتين من حبسه ، قرأ المحامي مجموعة كبيرة من الكتب في مواضيع شتى، مرة يدرس العلوم الطبيعية و مرة يطلب مؤلفات بيرون و شكسبير ، و في بعض الأحيان كان يطلب في نفس الوقت كتابا في الكيمياء و آخر في الطب و رواية أدبية و نصا فلسفيا أو لاهوتيا. قراءاته تعطي انطباعا بأنه كان يسبح في بحر بين جنبي سفينة كبيرة محاولا النجاة بحياته متشبثا بيأس بأحد أطرافها.
يتذكر الصراف العجوز قصته مع المحامي محدثا نفسه : " غدا في الثانية عشر زوالا سيصبح المحامي حرا ، و حسب الاتفاق يجب علي أن أعطيه مليونين من أموالي ، و إذا أخرجت هذا المبلغ فسأفقد كل شيئ و سيخرب بيتي نهائيا.."
قبل خمسة عشر عاما لم يكن الصراف يعلم مقدار الأموال التي بحوزته ، أما الآن فإنه يخشى أن يسأل عن ذلك. ما الذي يتراكم لديه أكثر المال أم الديون ؟
 المخاطرة في البورصة و المضاربات غير المحسوبة و الحماس الزائد – الذي لم ينجح في التخلص منه حتى في شيخوخته – أسباب أدت إلى قربه من الإفلاس. ذاك الصراف الجريء الواثق من نفسه  الفخور بماله ، تحول إلى رجل أعمال من الدرجة الثانية ترتعد فرائصه مع كل انخفاض في الأسهم.    
 صاح العجوز و هو ممسك برأسه ، لماذا لم يمت هذا الرجل ؟!ـ اللعنة على هذا الرهان
لديه فقط أربعون سنة ، سينتزع مني آخر ما لدي  ، سيتزوج و يستمتع بحياته ، سيضارب في البورصة ، و أنا كمتسول حقير سأنظر إليه بحسد و سأسمعه كل يوم و هو يردد علي نفس العبارة: أنا مدين لك بسعادتي ، اسمح لي بمساعدتك أيها المسكين.
ـ لا ، لا هذا كثير ، الطريقة الوحيدة للتخلص من الإفلاس و ازدراء الناس هي في موت هذا الشخص اللعين.
تشير الساعة إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، العجوز يتحسس المشهد بأذنيه ، الكل نائم داخل البيت ، هناك صوت واحد ، حفيف الأشجار المتجمدة خلف النوافذ.
أخرج الصراف مفتاح الكوخ – الذي لم يفتح لمدة خمسة عشر عاما ـ من الخزانة محاولا أن لا يحدث أي ضجيج ، لبس معطفه و خرج من البيت.
الحديقة كانت مظلمة و باردة ، المطر يهطل و ريح رطبة تتجول زاحفة بين الأشجار ، حاول العجوز أن يرى شيئا لكنه لم يفلح في رؤية حتى التراب الذي يمشي فوقه و لا التماثيل البيضاء و لا الكوخ و لا الأشجار.. اقترب من المكان الذي يوجد فيه الكوخ و نادى مرتين على الحارس ، لكنه لم يسمع جوابا ، التجأ الحارس – على ما يبدو ـ  إلى المطبخ أو المدفئة فرارا من البرد ، و ظل نائما هناك.
إذا استطعت أن أنفذ خطتي بنجاح فالجميع سيتهم الحارس – أسر الصراف في نفسه ـ
 صعد الأدراج و الظلام يعم المكان ، فتح باب الكوخ و دخل إلى البهو ثم توغل إلى الممر الصغير و أشعل فتيل الضوء. لم يكن أحد هناك ، بدا له السرير غير مرتب و موقد من حديد موضع في الزاوية...
عندما انطفأت شعلة الضوء ،ألقى العجوز – مذعورا ـ  نظرة على السجين من النافذة ، كانت حجرته مضاءة بنور شمعة خافت و كان جالسا بجوار الطاولة لا يظهر سوى ظهره و شعره و يديه ، كانت الكتب منثورة فوق المائدة و السجاد..
مرت خمس دقائق دون أن يتحرك السجين من مكانه ، خمسة عشر سنة من السجن علمته كيف يبقى جامدا دون حركة. طرق العجوز النافذة بإصبعه فلم يلق جوابا ، أزال الأختام التي كانت على الباب و أدخل المفتاح محدثا ضجيجا قويا ، انتظر ردة فعل لكن دون نتيجة ، لازال الصمت مهيمنا على المكان ، عندها قرر العجوز أن يدخل الغرفة.
بجانب الطاولة كان المحامي لازال جامدا ، كائن غريب لا يشبه أحدا ، هيكل عظمي مغطى بالجلد ، شعر طويل و لحية مجعدة ، لون وجهه أصفر و خدوده غائرة ، كان ظهره طويلا و نحيفا و يده النحيلة التي تحمل رأسه ذو الشعر الكثيف تبعث على الخوف ، لون شعره أصبح رماديا بفعل انتشار الشيب ، حالة وجهه الرث توحي بأن الرجل قد وصل إلى الشيخوخة و لن يصدق أحد أنه لازال في عقده الرابع، كان نائما و فوق الطاولة ورقة مكتوبة بأحرف صغيرة.
ـ يا له من بائس – قال الصراف ـ ينام و ربما يحلم بالملايين، سأوقظه و أرميه فوق السرير و أخنقه بالوسادة ، و لن يشك أحد في موته ، و لكني سأقرأ هذه الأسطر أولا.
أخذ العجوز الورقة و قرأ ما يلي: غدا عند الثانية عشر زوالا سأسترجع حريتي و سأرى الناس ، و لكن قبل أن أغادر هذه الغرفة و أرى الشمس أجد من الضروري أن أوجه لك بعض الكلمات. أمام الرب الذي يراني و بضمير حي و هادئ أعلن أني أحتقر الحرية و الحياة و الصحة و كل ما اعتبرته كتبك ملذات الدنيا. خلال خمسة عشر عاما درست بتأن الحياة الدنيوية ، صحيح أنني لم أكن أرى بشرا و لا أرضا ، لكنني من خلال الكتب شربت النبيذ المعتق و غنيت الأغاني ، و في الغابات اصطدت الأيول و الخنازير البرية و أحببت النساء الجميلات و الخفيفات مثل السحاب ، اللائي أبدعتهن مخيلة الشعراء كن يزرنني ليلا و يهمسن في أذني قصصا عجائبية تتركني ثملا.
في كتبك تسلقت قمم جبال إلبروز و الجبل الأبيض و من هناك رأيت الشمس تشرق في الصباح كما رأيتها في الغروب و هي تصب ذهبها الأرجواني فوق السماء و المحيط و الجبل ، رأيت أيضا الغابات الخضراء و المروج و الوديان و البحيرات و المدائن، سمعت غناء الحوريات و صوت ناي الراعي ، لمست أجنحة الشياطين التي تنزل من السماء لتحدثني عن الرب، من خلال كتبك ارتميت في أعماق سحيقة نحو المعجزات ، أحرقت مدنا و اعتنقت أديانا جديدة و سيطرت على إمبراطوريات كاملة..
منحتني كتبك الحكمة و بفضلها استطعت أن أحفظ الفكر الإنساني المتراكم عبر قرون طويلة داخل جمجمتي ، أعلم أني أذكى منكم جميعا.
أحتقر كتبك و جميع ملذات العالم و الحكمة أيضا أحتقرها ، كل هذه الأشياء بائسة و زائلة ، شبحية و مضللة كالجنية الخرقاء. لا يهم إن كانت تجلب الفخر و الجمال ، إن كان الموت سيمحوها جميعا من على وجه الأرض مع الفئران.إن أحفادك و التاريخ و خلود عباقرتك سيتجمدون أو سيحرقون مع الكرة الأرضية ، لقد أصابكم الجنون لذا فإنكم تسلكون الطريق الخطأ ، تفضلون الكذب على الحقيقة و القبح على الجمال. ستشعرون بمفاجأة عظيمة إذا اقتضت الظروف أن تثمر أشجار التفاح و الأرانج  عوض الفواكه ضفاضع و سحليات أو إذا فاحت الورود برائحة حصان عفن ، و سأفاجأ بكم إذا فضلتم الأرض على السماء ، إني لا أستطيع فهمكم.
لكي أظهر لكم احتقاري لحياتكم فإني أرفض أموالكم التي حلمت بها في وقت سابق كأنها الجنة ، إني لا أقبلها الآن. و لكي أخلصكم من هذا الوعد سأخرج من هنا قبل خمس ساعات من الوقت المحدد ، و بذلك أكون قد خالفت بنود الاتفاق.
وضع الصراف الورقة فوق الطاولة بعد قراءتها و قبل رأس الرجل الغريب ثم خرج من الكوخ باكيا. رغم حياته الطويلة و خسارته في البورصة مرات متعددة لم يحس العجوز بازدراء لنفسه مثل هذه اللحظة. عندما عاد إلى بيته حاول أن ينام لكن أحاسيسه المتضاربة و دموعه الغزيرة منعتاه من النوم لفترة طويلة.
عند صبيحة اليوم الموالي أتى إليه حراسه مهلوعين ليخبروه أنهم رأوا سجين الكوخ ينزل من النافذة إلى الحديقة متجها نحو البوابة ثم اختفى . توجه الصراف إلى الكوخ بمعية خدمه و تأكد من غياب السجين ، و لكي لا تثار إشاعات لا لزوم لها ، أخذ الورقة و رجع بها إلى البيت و وضعها في الخزانة.

الخميس، 3 نونبر 2011

على وجه السياسة


أحيانا تدفعنا صفاقة وجوه قوم إلى خارج أنفسنا... 
وكذلك يكون عندما يتغيى السياسي الظهور على خصمه لا حكمة ربما هو قائلها..  
عندما يحاول أن يظهر في الوجود غير ما أظهره الله فيه..
عندما يحاول ان يخفي الشمس بالغربال...



حَرَّكتُهَا ..
    في خَاطِرِي ..
        .. لَمَّا تَـكَلَّـمَ مُرْعِدَا

حَـرَّكتُها.. في خَاطِري ..
لاَ .. ليْسَ تُغنيكَ الفَصَاحَةُ
ليسَ تُغْنيكَ القِيافَةُ
أوْ غَرَابيلُ الكَلاَمِ
فَالنُّورُ يَسْطَعُ في الْمَدَى

حَرَّكْتُهَا..
    في خَاطِرِي ..
إذْ قالَ هَا ليلٌ ..
يطولُ عَلَى البِلادِ مُسَرْمَدَا
هَا مُرْهَمٌ
مَسِّدْ بهِ جَفْناً كَسيراً أرْمَدَا
اَلْفَجْرُ يُؤذِي.. نَمْ
أعْشَى سَتَبْقَى .. يَا كَئيباً أنْكَدَا

حَرَّكْتُهَا..
    أنْزَلْتُهَا..
           مِنْ خَاطِرِي..
                  ..لِفَمِي..

لَمَّا رأيتُ لسانَه كالصِّلِّ ينفُخُ مُزبِدَا
وَيَدورُ في فَكِّ يَظُنُّ الكَوْنَ فيهِ ..
إذَا اسْتَدَارَ يَدُورُ
وإنْ غفَا يَغْفُو
وَيغْدُو إنْ غَدَا
تَبّاً..!
أَيَأمُلُ أنْ يُوارِي الزَّيفَ من خَلْفِ الصَّدَى
تَبّاً..!
أَيَنْزِفُ جُرحُنا بِدَمٍ تَبَرَّجَ في المَدَى
صَرخاتِ شعبٍ مِنْهُ ضَاقَ الصَّمْتُ حَتَّى زَغْرَدَا
...

حَرَّكْتُهَا..
         بِفَمِي ..
                طَويلًا .. 
                          .. لَمْ أَزَلْ مُتَرَدِّدَا ..
خَرَجَتْ
    بِرَغْمِي
         مِنْ فَمِي سَهْماً إلَيْهِ مُسَدَّدَا

صَمَتَ الفَصيحُ
مُدَارِياً عُرْيَ القِناعِِ مِنَ القناعْ
ضاعَتْ مَلامِحُ وَجْهِهِ
لا زيفَ كلاَّ لاخِداعْ

صاحَ الفصيحُ وَلاَتَ سَاعَةَ صَيْحَةٍ
   وَجْهي الجميلُ تَبَدَّدَا
      حُلْمي الرَّخيصُ تبدَّدَا
             أمسي الكذوبُ تبدَّدَا
                  حِلْفي الخَؤُونُ تبدَّدَا
الشعبُ يُشْرِفُ مِنْ عَلٍ
الشعبُ يدرِكُ إنْ غَدَا

الشعبُ ظلُّ اللَّهِ لاَ أحدٌ سِواهُ
الشعبُ تَنْصُرُهُ سَمَاهُ
الشعبُ يَهْوَى حَقَّهُ وَالحَقُّ حيثُ يَشَا هَوَاهُ
الشعبُ يَبْقَى..
وَالأُلىَ حَكَمُوا عَلَيْهِ بأنْ يُسَلِّمَهُمْ حَشَاهُ
لا شكَّ شَاهُوا...
يَمْضُونَ في اللَّعنَاتِ حيثُ مَضَى صَدَاهُ
والكونُ كلُّ الكونِ يبلُغُهُ مَدَاهُ
لاَ.. لاَ مَحيصْ
نَصْرُ الشعوبِ تَأكَّدَا
وَعْدُ السَّماءِ تَأكَّدَا

الأحد، 21 غشت 2011

إلى أخي صلاح الدين


 

أخونا صلاح الدين الزربوح أستاذ الفلسفة ومؤسس معهد البحر الأبيض المتوسط للصحافة وتقنيات اﻹعلام  .. اخ حبيب وصديق عزيز .. أحب فيه أنه ممن لا يرضون بوضع اليد في الماء البارد.. بل هو ممن تشقيه نفسه في توقها إلى الأفضل دائما.. رأيت عليه يوما ليس بالبعيد غمامة كدرت صفاء ابتسامته الصادقة فأسر إلي ببعض ما في نفسه فلم أجد إلا هذه الأبيات أعبر له فيها عن أحساسي العميق بألمه وامله في آن..
 
أبكُلِّ مَنْ عَشِقَ العُلى كَرَبُ؟ وَبِكُلِّ هاوٍ للخَنَى طَرَبُ؟
تَفْنَى نُفُوسٌ هنَّ في خَلَدِ الدَّهرِ الكَسيفِ الفَضْلُ والْحَسَبُ

أصَلاَحُ .. لا تَأبَهْ لمَنْ سَقَطُوا مِنْ حُلْمِنَا .. فَرُؤوسُهُمْ ذَنَبُ
إنْ كانَ جُرْمُكَ أنَّ حُلْمَكَ لا يَسري بِفِكْرٍ صِدْقُهُ كَذِبُ 
فَلأنَّها دُنيا مُنَفِّرَةٌ.. طوبَى لِمَنْ فيها بها اغتَرَبُوا

أصَلاحُ .. إنّي قدْ رَأيتُ يداً مُدَّتْ إليكَ ومِلؤهَا الوَصَبُ
آسَيْتَها وكَسَوْتَها كَرَماً .. لكِنَّها تَجْفُو وتَغْتَصِبُ
وَظَنَنْتَ قوماً عندَهُمْ أدَبٌ .. فوَجَدَتَ انَّ قلوبَهُم خَشَبُ
أشْدَاقُ تُفْتَحُ غَيرَ باسِمَةٍ.. أخوانِ فيهَا : الحِقدُ والرَّغَبُ
وَكذَا اللئامُ : إذَا رَأوْا كَرَماً ،. أرِزُوا لِغَدْرِ النَّاس وانتَسَبُوا
أخْفَى مِنَ السُّقْمِ إنْ كَمُنُوا .. أضْرَى مِنَ الضَّبْعِ إنْ وَثَبُوا
لكِنَّهُمْ بَيْنَ الوَرَى جِيَفٌ .. مَهْمَا كَسَا أجْدَاثَهُمْ صَخَبُ

أصَلاحُ .. حَسْبُكَ أنَّنَا أنُسٌ : كُلٌّ لِصَاحِبِهِ أخٌ وأبُ
يَهْوي لِدَمْعَتِهِ إذَا نَزَلَتْ .. وَيَشُدُّ إنْ لَعِبَتْ بهِ العُرَبُ

أصَلاَحُ .. إنَّا زَائلونَ غداً .. وَلَسَوْفَ يَبْفَى العِلْمُ والأدَبُ
فانْظُرْ تَجِدْ حَولَنَا مُثُلاً تَمْشي .. وَكانَ مَكَانَها الكُتُبُ
إنْ سَاءَنَا هَذا الزَّمَانُ فَكَمْ ذا سَرَّنَا فِي أنَّنَا عُصَبُ
أحْرَارُ منْ أسْرِ الزَّمانِ إذَا مَا النَّاسُ فِي أغْلالِهِ سُلِبُوا

أصَلاَحُ إنَّ غَداً لِنَاظِرهِ لَيُرَى .. وإنْ كَثُفَتْ بِهِ السُّحُبُ
والشِّعْرُ عَيْني .. أسْتَجِيرُ بِهَا .. إنْ كانَ في بَصَرِ الوَرَى عَطَبُ
والشِّعرُ عَقْلِي .. أسْتَدِل عَلَى شِيَم النفوس بهِ وأنْتَخِبُ
قَدْ كُنْتَ في عينِ القَصيد يدًا مِنْها بنانُ الخير تُجْتَذَبُ
فاسْمَعْ لَدَيَّ الصِّدْقَ لاَ مَلَقٌ في نَبْرِهِ وَلا زورٌ ولا كَذِبُ :
لتبادرَنَّ إلى النَّجَاحُ كمَا بَادَرْتَ حيثُ سِوَاكَ يَضْطَرِبُ

الأحد، 8 ماي 2011

أخي رشيد

رشيد الراضي
من إعداد الفنان ياسين بنعيسى
http://www.benissadesign.net

أُلقِيَت في الحفل التكريمي الذي أقامته جمعية ملتقى البحرين للتواصل الثقافي بطنجة على شرف أخينا وحبيبنا الدكتور رشيد الراضي وذلك بمناسبة نيله شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة محمد الخامس...فكانت شيئا قليلا بالنظر إلى أفضال صاحبنا علينا وقدره عندنا ومكانتهب العلمية والمعرفية والتربوية...



عَلَى بُراقِ العُلَى نَجْمُ الْحِجَى بَرَقَا .. وَمِنْ كُؤُوسِ الْمُنَى سُؤْلَ النُّفوسِ سَقَى
وَفي مِدَادِ الدُّجَى أجْرَى فَوَارِسَهُ .. فَكَانَ قَبْلَ الْوَرَى لِلشَّمْسِ مُعْتَنِقَا
يَمْتَدُّ كَفًّا مِنَ الْعَلْيَاءِ مُنْتَشِلاً .. غَرْقَى الفُهُومِ فَيُقْرِي الْعِلْمَ وَالْخُلُقَا
يَجُودُ حَتىَّ بِمَا أقْدَارُهُ كَتَبَتْ .. بِأَنَّهُ أَمَمٌ لِلنَّاسِ قَدْ سَبَقَا
يَزْدَادُ فَضْلاً وَلاَ يُولِيكَ مَرْتَبَةً .. إِلاَّ لِيَعْلُوَ شَأْواً فَوْقَهَا عَنَقَا

أخي رَشيدُ أيَا مِسْكَ الصَّفا العَبِقا .. شَهِدْتُ أنَّ الذي أنْبَأتَني صَدَقا
بِأنَّ موعدَنا الجَوزاءَ ما بَعُدَتْ .. فالعزمُ مِنكَ إلينَا يَسَّرَ الطُّرُقا

أخي رشيدُ وَما في الشِّعْرِ مِنْ كَذِبٍ .. إذَا المِدَادُ دَمُ الأَحْشَاءِ قَدْ هُرِقا
لَئِنْ جُهِلتُ فأنْتَ الخِدْنُ منْ زَمَنٍ .. عَرَفْتَنِي صَارِماً لاَ أُحْسِنُ الْمَلَقَا

أخي رَشيدُ وَهذا الشِّعرُ طَوع دَمي .. عَاصَى اليَرَاعَ وَعاطَى مُقْلَتِي الأرَقَا
أسْتَقْدِمُ الْقَوْلَ مِنْ أرْضِ النَّشِيدِ فَلاَ .. يَأتِي سِوَى قَلَقٍ يَزْدَادُ بِي قَلَقَا
عُمراً يَسيلُ وَأنفاساً مُقَطَّعَةً .. تَمُضُّني أمَلاً بِالْعَجْزِ قدْ شَرِقَا
تَمُضُّني أمَلاً وَاليَأسُ يَطْلُبُنِي.. وتَمْتَري بِقَصيدٍ هاجَ مُخْتَنِقَا
فَاليَومَ مُسْتَأسِداً بَرَّجْتُ عنْ أمَلي .. وَعَن قصيدي الذي قد هَبَّ مُنْطَلِقَا
أمَا تَرَى الكُرَمَا تُغْري شَمَائِلُهُمْ نَفْسَ البَخيلِ .. فَيُمْسي فائِضاً غَدِقَا؟
وَصُحْبَةُ البَطَلِ المِقْدَامِ تَنفُخُ في قلبِ الجَبَانِ فيُنضي السَّيْفَ وَالدَّرَقَا
كَذَاكَ كَمْ هِمَّةٍ أَجَّجْتَ جَاحِمَهَا .. وَأشْعَثٍ مُبْتَلَى في فِكْرِكَ اتَّسَقَا
أمَّا أنا فَهَوايَ اليومَ أزَّ دَمي .. وزادَني شَغَفاً فَازْدَدْتُ فيكَ رُقَى
وَالنُّورُ فِي مَوْكِبِ الأَطْهارِ لَفْحُ هُدىً .. لوْ لاَمَسَتْ حَجَرَ الصّوَّانِ لاَحْتَرَقَا

أخي رشيدُ دَعِ الذِّكْرَى تُحَدِّثُنَا عَنْ أمْسِنَا الحُلْوِ نُطْفي عِنْدَهُ الحُرَقَا
عَنْ كِسْرَةِ الخبزِ، عَنْ تِينٍ وَعَنْ بُلَغٍ لِلْمَاءِ قَدْ شَاكَسَتْ جوعاً بِنَا نَزِقَا
عَنْ صَادِحِ الشِّعْرِ، عَنْ لَيْلٍ وَعنْ سَمَرٍ وعَنْ نِخَابٍ أرَتْنَا البَدْرَ مُغْتَبِقَا
غُفْلٍ عَنِ الزَّمَنِ الآتي وَعَنْ قِصَصٍ للنَّاسِ .. عَنْ بَهْرَجِ الزَّيْفِ الَّذي اختُلِقَا
نُضْحي وَنُمْسي عَلَى تِلْكَ الدِّنَانِ وَمَا غَيْرُ المَحَبَّةِ كَأْسٌ شَعْشَعَتْ ألَقَا

أخي رشيدُ وهَذي أُمَّةٌ رُمِيَتْ مِنْها العُقُولُ فَجَاءَ السَّهْمُ مُخْتَرِقَا
كَأنَّها ما عَلَتْ يَوماً وَما عَقَلَتْ .. وَما أنَاخَ لَدَيْهَا الدَّهْرُ مُرْتَفِقَا
أهْلُ النُّهَى وَذَوُو الأَحْلاَمِ قدْ نَكَثُوا هَذا النَّسيجَ فَصِرْنَا بَعْدَهُمْ مِزَقَا
وَاليَوْمَ إذْ نَحْنُ قُلْنَا يَا كَفَى سَفَهاً ..صُمَّ الألىَ حَلُمُوا وَالشَّعْبُ قدْ نَطَقَا

أخي رشيدُ وَمِنْكَ الأفْقُ لاحَ يُرَى .. قَشِّعْ بِنُورِكَ هَذا اللَّيْلَ يَا أُفُقَا
وَانْضُ اليَرَاعَ فَتِلْكَ الدَّهْرُ تَكْتُبُهُ .. عَسَى بها أنْ نَرَى مِن صُبحِنا الشَّفَقَا
إنَّا لَنَنْفُثُ فِيكَ الْيَومَ لاعِجَنَا .. أنَّا لنَا أملٌ في كَفِّكَ انْعَتَقَا
أقُولُ قَوْلي وَذي الأَشْعَارُ تَكْتُبُهُ .. وَأنْحَنِي أدَباً يَا صَاحِبي وَمِقا






الأحد، 1 ماي 2011

بيان إلى الوطن




نُورٌ..أضَاء على مَشَارِفِ ذاتي..وحَسِبْتُنِي قدْ صِرْتُ في الأمْواتِ
يا وَيْحَ مَنْ سَرَقُوكَ في جُنْح الدُّجى..وَطَنِي.. وَمَنْ قَدْ حَاوَلُوا إسْكَاتِي
الآنَ!.. أُبْصِرُ بَعْدَمَا لَسَعَ السَّنَا حَدَقِي .. وَغَازَلَ فَجْرُهُ أوْقَاتِي
الآنَ!.. أُنْبِيكَ البِشَارَةَ صَادِقاً: "إنِّي سَأَحْكُمُ قَادَتِي وَوُلاَتِي!"
فَلَقَدْ عَلِمْتُ بَأَنَّنَا أخَوَانِ..لاَ أَحَدٌ سَيَسْعَى بَيْنَنَا بِصِلاَتِ
شُؤْمُ الْبَرِيدِ مَفَازَةٌ مَنْسِيَّةٌ ... كَيْفَ المْسَافَةُ فِي رِحَابِ الذَّاتِ؟

وَطَنِي.. 

وَطَنِي.. أنَا ذَاكَ الْمُزِمُّ شِفَاهَهُ !! وَأَنَا الْمُمِلُّ لِشَاهِدِ الْمَرَّاتِ
وَأنَا الَّذِي قَدْ حَاكَمَتْهُ ظُنُونُهُ..فَأسَاءَ لِلْمَاضِي كَمَا لِلآتِي
وَأنَا الَّذي أخْصَوْهُ عَنْ طَلَبِ الْعُلَى مُتَفَرِّغاً لِقِوَادَةِ اللَّذَّاتِ
وَأنَا الَّذي يَأوِي الْمَسَاءَ بِلُقْمَةٍ قَدْ مُرِّغَتْ فِي طِينَةِ الذِّلاَّتِ
كَمْ مَزَّقَتْ نَظَرَاتُ طِفْلي مُهْجَتِي..أَنِّي نَدِيمُ الْقَهْرِ وَالْحَسَرَاتِ

وَطني ..

وَطَني، أَنَا الْمَجْلُودُ وَالْمَسْرُوقُ وَالْمَتْروكُ فِي بَرْدِ الْهَوَان العَاتي
وَأنَا الْمُمَرِّغُ جَيْبَهُ وَلِسَانَهُ.. وَفُؤَادَهُ فِي تُرْبَةِ الْعَتَبَاتِ
ذُلِّي غَذَائي .. وَالتَّغَابِي حَارِسِي مِنْ صَارِخٍ قَدْ مَلَّ طُولَ سُبَاتِي
أَدْمَنْتُ لَحْسَ حِذَاءِ مَنْ قَدْ دَاسَنِي.. وَجَفَوْتُ كَفَّ أطِبَّتِي وَأُسَاتِي
وَحَسَدْتُ حِينَ جَبُنْتُ خِدْناً ثَائِراً إذْ أَحْرَجَ الشَّهَقَاتِ بِالزَّفَرَاتِ
لَمَّا عَمِيتُ كَرِهْتُ إشْرَاقَ الضُّحَى .. وطَفِقْتُ ألْعَنُ مُوقِدَ الشَّمْعَاتِ
حَتَّى إذَا ضَاقَتْ بِمَوْتِي مُهْجَتِي.. أَحْرَقْتُ نَفْسِي شَامِتاً بِحَيَاتِي

وَطَنِي..


وَطَنِي، أَنَا الشَّعْبُ الَّذِي بَكَّيْتَهُ زَمَناً..أعُودُ.. مُشَمِّرَ الْعَزَمَاتِ
 إنِّي أنَا الْمَنْسِيُّ مِنْ رُزْمَانَةٍ حِزْبِيَّةٍ كَمْ غَازَلَتْ أصْواتِي
كَذَبوا عَلَي بِوَاهِمِ النشَرَاتِ .. وَتَنَابَزُوا في فَاخِمِ  الكَلِمَاتِ
ﻷَرَى لَدَى الكَلْبِ الْمَهِينِ فَوَاضِلاً.. وَأُقيمَ في بَيْتِ الزِنَى صلواتي
اَلْيَوْم!.. أجْأرُ بِالَّذِي كَتَّمْتُه بِحَيَازِمِي..حِمَماً مِنَ الثَّوَرَاتِ..
لاَ حُكْمَ إلاَّ لِي أنَا..ظِلٌّ أنَا لِلَّه..في أرْضٍ لَهَا بَرَكَاتِي
إنَّ الْقِيَادَةَ وَالرِّيَادَةَ وَالْجَلاَلَةَ وَالْمَهَابَةَ كُلُّهُنَّ صِفَاتِي
قُلْ لِلَّذِينَ عَلَوْكَ أنْ يَتَرَجَّلُوا طَوْعاً فَإني عَارِمُ الْجَنَبَاتِ
فَلَسَوْفَ أُسْقِطُهُمْ مُزُوعاً إنْ أَبَواْ .. وَلَسَوْفَ تَتْبَعُ نَعْشَهُمْ لَعَنَاتِي

من ديوان: "قصائد غاضبة"

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

دورة الإنصاف والمصالحة

تأملت هذا التاريخ الصغير الذي سطره عمر هئية الإنصاف والمصالحة منذ أن تأسست إلى اليوم فبادرني تأملي بسؤال: هل الأطفال والمراهقون الذين تم اعتقالهم ليلة الـ21 من فبراير الماضي على خلفية احداث الشغب التي عرفتها طنجة وغيرها من المدن خاضعون لتحقيق إنساني ونزيه؟ هل تم التأكد من عدم تكرار ما حدث ويحدث دائما من جمع الحابل والنابل وأخذ البريء بجريرة المسيء؟ خصوصا وأن الأمر يتعلق بمراهقين وأحداث لعل عدم إحسان التعامل معهم إنما هو إعداد لمجرمين للمستقبل وإيغار لصدورهم على وطن ما أحوجه إلى ربحها؟ وصياغة لعقول خطرة لا تلبث أن تنفجر في وجوهنا يوما ما آثار ما زرعناه فيها؟

إننا اليوم نشاهد إرهاصات بداية خجولة لطي صفحة السلفية الجهادية وهي الصفحة التي كتبها منا قوم بظلمهم وصلفهم وآخرون بحقدهم وتنمرهم و ساهمنا فيها نحن بسكوتنا ومطامنتنا.. ولكن الخطير والمثير للسخرية في آن، هو أننا شرعنا في صياغة هذه الصفحة المشؤومة ونحن في غمار طي صفحة سنوات الرصاص مع مجهودات هيئة الإنصاف والمصالحة.. فهل نكون قد شرعنا في صياغة صفحة مشؤومة جديدة عن شباب 20 فبراير ونحن نطوي صفحة السلفية الجهادية مع النسخة الجديدة لهيئة إنصاف ومصالحة جديدة؟ هل يكون قدرنا مع هذه الخروقات والمظالم كقدر العنقاء ما أن تعمد إلى حرق نفسها حتى تنبعث من رمادها ماردة جبارة من جديد؟
علينا إذن أن نضيف إلى مطالبنا مطلبا جديدا وهو الإعلان عن التحقيقات الجارية في ملفات 20 فبراير والإفراج الفوري عمن لم تتبين علاقتهم بأعمال الشغب والنهب..أما تلكم الأحكام التي صدرت قاسية في حق بعضهم فلا بد من مراجعتها حتى لا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا...

إن الإصلاح لا يكون بالنظر إلى فوق كثيرا وإنما يتحقق للذين لهم القدرة على  رؤية و إحساس التفاصيل الصغيرة التي تؤسس حياتنا..إننا عندما نرضى بالمظالم الصغيرة تقع على رؤوسنا نكون قد أعطينا الشرعية للمظالم الكبيرة.. وعندما نؤجل معركتنا في إطار تفصيل يومي يبدو صغيرا وغير مهم، نكون قد أجلنا التغيير بكل ما تحمله الكلمة من زخم وعرامة لما هو بزعمنا أجل وأكبر.. وكذلك .. لا يصح أن نعمى عن هؤلاء الصغار المراهقين الذين لا ندري ما يقاسونه وراء الأسوار ﻷننا في خضم معركة "تعديل الدستور".. ألا إن هذه من تلك.. يجب أن نتساءل عن هؤلاء ومن معهم من المناضلين الذين لا علاقة لهم بالشغب بتاتا وإنما أخذوا في غمار من أخذوا .. وتم إخفاء قضيتهم في عجاج الخروقات التي تمت في نهاية ذلك اليوم..هذا بغض النظر عن سؤال مهم لا بد أن يطرح وهو عن غياب الأمن ليلتها بدعوى عدم المساس يالمتظاهرين حتى إذا حدث ما حدث تحرك المنجل المعهود ليجمع الأخضر واليابس مطمئنا إلى تعطش المواطنين للأمن وطلبهم للسلة دون عنبها..

لا بد من البحث في هذا الموضوع حتى لا نفاجأ يوما – لا سمح الله – بفيديوهات يخرج فيها علينا أحد هؤلاء فنشرق بغصص العار كما فعلنا عندما خرج علينا الشارف بوشتة بلحيته التي تبكي تدنيسها وهو يصرخ في هيستيرية
"عار عار عار" أعاذنا الله من العار ولطف بنا فيما أجرى من الأقدار.آمين

الثلاثاء، 8 مارس 2011

همسات إلى فدوى العروي

عِقْدَانِ .. كانا كَافِيَيْنِ لِكَيْ تَرَى .. فَدْوَى الضِّرَامَ مِنَ الإِهَانَةِ أَبْرَدَا
عِقْدَانِ .. كانا كافِيَيْنِ لِكَيْ تَرَى .. فَدْوَى الْهَنَاءَ مِنَ النِّهَايَةِ أبْعَدَا
عِقْدَانِ .. كانا كافِيَيْنِ لِكَيْ تَرَى .. فَدْوَى النَّهَارَ مِنَ التَّشَرُّدِ أسْوَدَا
حتَّى إذَا مَضَغَ الزَّمانُ فُؤَادَهَا .. وَتَضَاحَكَتْ مِنْ سُوءِ مَرْآهَا الْعِدَى
نَفَثَ الْحَميمَ فُؤادُها .. ناراً يَخِرُّ لِلَفْحِهَا مَنْ أشْعَلُوهَا سُجَّداَ

فدوى!

لَمَّا بَعَثْتِ النَّارَ تَأْكُلُ عَارَنَا .. بِدُخَانِهَا السَّادِيِّ .. كُنْتِ الْمَوْعِدَا
كُنْتِ الْحَيَاةَ لأَنْفُسٍ قَدْ أَدْمَنَتْ مَوْتَ الْحَيَاةِ .. فَمَا عَرَفْنَ الْمَوْرِدَا
عَلَّمْتِهَا أيْنَ الْمَوَارِدُ تُبْتَغَى .. وَبِأَنَّ مِنْ لَهَبِ الْعُلَى يَهْمِي النَّدَى
صَمَمُ الأهالي كَالْجَلِيدِ وَجَدْتِهِ .. فَسَكَبْتِ نَفْسَكِ كَيْ تُذَوِّبَهُ فِدىَ
أَسْمَعْتِهِمْ .. وَأَرَيْتِهِمْ .. فَلَعَلَّهُمْ ألاَّ يَعُودَ الْحَقُّ فيهِمْ مُغْمَداَ

فدوى!

لَوْ كَانَ مُعْتَصِمٌ .. ﻷَصْغَى .. وَانْتَخَى .. وَلأَبْدَلَ الدُّخَّانَ مِسْكاً عَسْجَدَا
لَوْ كَانَ مُعْتَصِمٌ .. لَمَا نَطَقَتْ مَكَانَ لِسَانِكِ الْمَحْروقِ ألْسِنَةُ الرَّدَى
أوْ أنَّ "وا بَلَدَاهُ" تَكْفِي .. لاَنْثَنَى بِالتَّلْبِياتِ الْقَوْمُ صَوْتًا أوْحَدَا
وَتَمَزَّقُوا خَجَلاً وَقدْ خَذَلُوا الْعُلا .. وَلَمَا اسْتَطَاعُوا أنْ يَبيتُوا هُجَّدَا
نَامَتْ عَلَى شَرِّ الفِعَالِ عُيُونُهُمْ .. وَالْخَوْفُ قَيَّدَ قَلْبَ مَنْ قَدْ قَيَّدَا


فدوى!

مَنْ لِلصِّغَارِ؟ وَقَدْ عَرَوْا مِنْ أُمِّهِمْ مِنْ بَعْدِ عُرْيِ الدَّارِ .. فَالْتَحَفُوا الْمَدَى
لَهْفي .. عَلَى تِلْكَ الْفَرَائِصِ بَضَّةً .. وَعَلَى أَكُفٍّ لَمْ تَذُقْ طَعْمَ الْجِدَى
لَهْفي .. عَلَى تِلْكَ الْحَوَاصِل عِنْدَمَا نَادَتْ عَلَيْكِ .. فَمَا أَجَابَ سِوَى الصَّدَى
اَلْيَوْمَ يَأتيهَا الْجَوابُ جَحَافِلاً .. تَمْشي إلَى يَوْمٍ تُسَمِّيهِ :الْغَدَا"
إنَّ الْحُقُوقَ كَمَا الْعَذارَى حَالُهَا .. لَيْسَتْ تُزَفُّ لِغَيْرِ مَنْ خَطَبَ الْيَدَا

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

ثورة مصر: قفزة من عصر المماليك إلى 25 يناير 2011


لا شك في أن الثورة المصرية ثورة 25 يناير 2011 هي ثورة عظيمة وإن لم تكتمل بعد فصولها وتظهر نتائجها وتسلم جرتها.. ومما لا شك فيه أن مصر ما بعد ثورة 25 يناير لن تكون بالتأكيد كمصر ما قبلها، وأن القادم أفضل مما مضى.. فقد تحركت دماء كانت آسنة، واشتعلت همم كانت فاترة، وانطلقت من مكامنها طاقات أصيلة يحذوها الأمل والتصميم...لكن الذي أود أن أشير إليه في هذه الكلمات هو أن هذه الثورة ستكون الأولى -بمصر على الأقل- منذ 795 عام تقريبا -بالحساب الهجري- أي بعيد سنة 639 هـ بقليل.. حين قام الإمام العز بن عبد السلام بعرض أمراء مصر من المماليك في سوق العبيد ليفتدوا أنفسهم حتى تصح معاملاتهم بعد ما زاحموا  الناس على الحياة العامة.

وسبب ذلك هو الشبه الكبير بين قصة المماليك وقصة فريق من الضباط الأحرار الذين حكموا مصر منذ الانقلاب العسكري لسنة 1952.. فكلاهما حاد عما جُعل له..جُعل المماليك جنودا لهم مراس بالقتال لحماية البلاد في وقت استعرت عليها فيه الأطماع الأجنبية .. ولكنهم تغوّلوا وجعلوا شوكتهم العسكرية شوكة سياسية فتدخلوا في أمور البلاد والعباد وأوغلوا في الثروات ونافسوا على الممتلكات ثم زاحموا المدنيين في أسواقهم وبيعهم وشراءهم وتسابقوا على اتخاذ القصور بما فيها من أسباب البذخ والمتعة حتى ضاقت بهم الأرض وتعب منهم الناس وتحولوا من أبطال ردوا التتار في عين جالوت إلى أرذال مرسوا على طرائق الطاغوت... ثم جاء سلطان العلماء العز بن عبد السلام إلى مصر فكسر رمزيتهم وحرر الشعب نفسيا من سلطتهم..حيث جاء بهم إلى سوق العبيد ليفتدوا أنفسهم في خطوة رمزية تفيد بأن هؤلاء الامراء -مهما علوا واغتنوا- ما هم في حقيقتهم إلا خدام لمصر وأهلها.. لذلك كان أعظمهم بعد قطز وهو بيبرس الملقب بالظاهر يخشى سطوة سلطان العلماء حتى روي عنه أنه قال يوم توفي الإمام العز "الآن استقر لي ملكي" ... هذه السقطة الرمزية لحكم المماليك هي في الحقيقة غير مسبوقة ولا نظير لها .. فمتى رأينا أو سمعنا أو قرأنا عن ملوك يشترون أنفسهم في سوق العبيد مهما ثبتت حقيقة بؤس أصولهم وتواضع محاتدهم... وكم توالى على البشر من عبيد وسوقة فصاروا أمراء وسلاطين .. وكم من أنذال -نساء ورجال- ما كانوا يطمعون بأكثر من ضمان مصاريف يومهم أو شهرهم حتى مُلّكوا رقاب العباد فما مكثوا حتى داسوا عليها...ثم سقط بعضهم وأفلت الآخرون من العقاب في الدنيا .. ولكن أن يساق ملك ذاق حلاوة الملك وسلطان داعب أنمله ملامس الصولجان وهو في أوجه إلى سوق العبيد؟ إلى محكمة السوق؟ فهذا أمر عجيب غريب و ليس يشيهه (بل يتفوق عليه في الحقيقة) إلا هذه الهبة الجديدة التي سعدت بها أوصال الأمة حين أسقطت حساب الخوف من حكامها من بالها والتفتت لتراهم عرايا إلا من عارهم وجبنهم ثم أوقفتهم لتحاسبهم واحدا واحدا ..فما يكاد يسقط طاغية حتى ترى الأخر يتململ ثم يسارع إلى تقديم هبات رمزية عساها تنظلي على أعين قد انفتحت  أخيرا ولا مجال لخداعها او لسحرها..

وكذلك "الضباط الأحرار" الذين انقلبوا على حكم فاروق الفاسد .. جاءوا بما كان مطلبا لشعب مصر في التخلص من فساد نظام فاروق ومن الاستعمار الإنجليزي في آن... فما أن استتب لهم الأمر حتى توالت الاعتقالات في 1954 والمحاكمات العسكرية وأحكام الإعدام ولم يسلم من يطشهم لا شيوعيون ولا إخوان ولا غيرهم ممن جاهر برفضه ومخالفته لأمور معينة جاؤوا بها.. ثم ما لبث الألى أمموا خيرات مصر وزعموا إلغاء الطبقية التي كانت تكرسها الألقاب التي يمنحها الملك ويقوم عليها التراتب الاجتماعي من أفندية إلى باكوية وباشوية وغيرها حتى تحولوا هم بدورهم إلى عائلات تتركز فيها الثروة والسلطة مع ما منيت في عهدهم مصر من مصائب لعل خلاصتها في مصيبتين معناهما هو العكس  تماما لمعنى مصر: الفقر ومصر في تاريخها بلد الثروة. والهزيمة الحضارية بعد الهزائم العسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية إذ مصر هي صانعة الانتصارات وقائدة الركب الحضاري للأمة منذ قرون...حتى إذا أناخت السلطة عند مبارك بعد مقتل السادات أسن ماء مصر وفاحت روائحه وصارت  تزكم فلا تطاق ..  وتفاقم القمع واستفحل الاستخفاف بالناس وبمشاعرهم (وما تعليق المهزوز المهزوم المشؤوم أبو الغيط عن إمكانية انتقال عدوى الثورة التونسية إلى مصر بأنها كلام فارغ ..إلا دليل على ذلك) قام في يوم 25 يناير شباب حر لم تلعب بعقله الإيديولوجيات ولم تطمس عليه بتعصبها الانتماءات فلم ينادي برفع حالة الطوارئ فقط ولم ينادي بالإصلاحات ولا بتوسيع هامش الحريات ولم يلهج بشعارات تحتاج إلى ندوات كبار الأساتذة لشرح مستغلقاتها .. ولكنهم قالوها بكل قوة وبساطة وهم قلة في العدد ما يزالون: الشعب يريد إسقاط النظام... هكذا استفاق فقهاء القانون وأساطين السياسة والإعلام على حقيقة مرة وهي أنهم كانوا إما جبناء أو ضيقي الأفق أو لامهتمين إلا بمصالحهم الحزبية والإيديولوجية أو الشخصية أو شيء من هذا كله... فطاحت عباراتهم وتحولوا في أفضل الاحوال من زعماء سياسيين وقادة معارضة إلى سعاة بريد بين الشباب الحر الثائر وبين رموز النظام الفاسد ... وجلسوا تلاميذ صغارا إلى طاولة الشعب ليصحح لهم تفاصيل مفاوضاتهم ويلقنهم ما يقال وما لا يقال...

وهكذا تم عرض المماليك الجدد على محاكم أسواق القنوات الإعلامية المرئية والمكتوبة والرقمية مفضوحين على رؤوس الأشهاد فاقدين للشرعية.. يكابد حلفاؤهم حلول التنصل منهم .. وحرج الموالاة لهم ..وهكذا أمكننا القول: لقد تمت الصفقة بنجاح بلا شك .. بقي على أئمة العز أن يفعلوا ما لم يفعله الإمام العز وهو أن يسقطوا العبيد فعلا وأن يحلوا محلهم .. مع اعتذارنا للمماليك القدامى هازمي التتار على تشبيهنا لهم بالمماليك الجدد خادمي إسرئيل ومن معها أو وراءها من أباطرة الشرق حينا والغرب حينا ..

فلتكن ثورة 25 يناير ثورة أولى غير ذات نظير، تنسينا ما سمي بثورة يوليو التي إنما هي انقلاب لا ثورة.. و لتلهمنا ثورات أخرى في بلداننا على كل صعيد نتهيأ بها لغد لا مجال فيه للهزل ولا للضعف أو للتبعية.

الأربعاء، 2 فبراير 2011

مصر تعود إلى نفسها


عذرا .. فشكرا يا مصر
عذرا .. ﻷننا كنا قد سمحنا ﻷنفسنا باليأس منك
عذرا .. ﻷننا كنا قد بدأنا نرجف.. ونقول وداعا يا مصر التي أحببنا.. مصر التي منها تعلمنا...مصر التي عرفنا مدنها وأقاليمها.. عرفنا أحياء قاهرتها وحاراتها...أحببنا شعراءها وروائييها وصاحبناهم وصاحبونا.سواء مع قصص الأطفال أو مع قصص الألغاز البوليسيىة والمخابراتية أو الأدب مع المنفلوطي نقوّم بكتاباته ألسنتنا ونثري رصيدنا اللغوي والوحداني..ومن المنقلوطي انطلقنا إلى أساطين الأدب و العلم والفن...
صاحبتنا يا مصر أطفالا وصاحبتنا مراهقين.. ثم شرعنا في التسيس ومقارعة الأفكار.. فكنت المدرسة الأولي لإسلاميّنا وعلمانيّنا.. لمحافظيّنا ويساريّنا... لجادنا وهازلنا
ولكننا مع ذلك تنكرنا وقلنا:”أما مصر فعليها السلام"
عذرا .. يا ربة الإلهام
عذرا .. يا أم الأبطال
عذرا .. يا معدن الثوار
عذرا .. يا محضن الأحرار
ألا إننا نتوب اليوم من خطيئتنا..ونغتسل في نيل دموعنا ودماء عروقنا من شكوكنا
إننا نفتح اليوم عليك عيونا جديدة...ملؤها الأمل .. أمل يكتحل بالعرفان .. ويتعطر بالاعتذار
إننا نفتح اليوم عليك عيونا جديدة...عيون متعلمين صغار جلسوا إلى صفوفك الأولى في كيف تصنع الحرية .. وكيف تكون الكرامة .. وكيف يكون العربي عربيا .. والمسلم مسلما..والإنسان إنسانا.
إننا نفتح اليوم عيونا جديدة..

سلم الله شباب مصر.
سلم الله كهول مصر.
سلم الله رجال مصر.
سلم الله نساء مصر.
سلم الله أطفال مصر.

شكرا لك يا مصر.. وقبلك.. أقول شكرا لك يا تونس.. فأنت النار التي أزالت الصدأ عن قلب أمتنا.. أنت الماء الذي نبه ماردنا.

شكرا لك يا مصر.. وقبلك.. شكرا للرحمن أن أحيانا إلى يوم رأيناك تتململين ثم تمورين قتثورين .. لقد كنت أخشى الموت بحسرة تفويت هذا اليوم.. فأحياني الله ﻷرى هذا اليوم ,,ألا إن ما بقي من عمري صدقة ﻷن ما بعد ثورتك إلا نجاحها وما بعد نجاحها إلا امتدادها وما بعد امتدادها إلا الاستعداد للثورة الكبرى للمعركة الكبرى ثورة فلسطين .. تحرير فلسطين... وأسأل الله أن يكون ذلك قريبا فإننا قد بدأنا نطمع في أن نراه في حياتنا..ربما هو حلم فيه قليل أو كثير من السذاجة ولكنه حلمي وحلم كل عربي وكل مسلم
شكرا لك يا مصر أن أنطقتنا بحيازم الفؤاد...والله أكبر ولله الحمد