الأربعاء، 16 يناير 2013

ربيعٌ في ربيعٍ





أَهَاجَ الحُسْنُ بُلْبُلَهُ فَغَنَّى .. فؤادٌ في الهَوَى أمسى مُعَنَّى

فؤادٌ لاحَ مُنْتَشِياً طَروباً .. فَهَلْ نَالَ الوِصَالَ بِمَنْ تَمَنَّى؟

أحَقًّا ما يَظُنُّ الصَّبُّ وَصْلاً؟ .. أتَمَّ الوَصْلُ كيفَ إذَنْ؟ وأنَّى؟

بِعَيْنٍ في عَمَاهَا كُلُّ شَيْءٍ يُرَى إلاَّ سَنَا مَنْ كَانَ أسْنَى؟

بِنَفْسٍ تَشْتَهي في الطِّينِ عَيْشاً؟ .. وَقَوْلٍ في الْمَسَامِعِ كانَ أخْنَى؟

بِقَلْبٍ يُبْصِرُ الآياتِ تَتْرَى .. وَشَهْدَ الْخُلْدِ فيها كيفَ يُجْنَى

فَيَجْرِي لاَهِثاً في كُلِّ وادٍ .. وَيَجْني مِنْ غَريرِ الْبَيْعِ غَبْناَ؟

أَلاَ إنَّ الوِصَالَ أخِي لِنَفْسٍ تَرَى حُبَّ المَعَالي كَانَ أغْنَى


***

أتَيْنَا بَابَ أحْمَدَ (ص) في مُسوحٍ .. نُنَاشِدُهُ بها فَرَحاً وَحُزْنا

نُناشِدُهُ بِها أنَّا أُناسٌ بَنو صَحْوٍ .. وَلكِنَّا ثَمِلْنَا

ثَمِلْنَا مِنْ نَزيفِ الْحَقِّ فينا .. وَمِنْ كَأسِ الْخَنَى حَتَّى انْحَنَيْنَا

ثَمِلْنَا أنَّنَا صُمْنَا طَويلاً .. فَأمْسَى فِطْرُنَا نَزَقاً وَشَيْنَا

وَكابَدْنَا مَغَامِزَ كُلِّ بَاغٍ .. يَزيدُ جِراحَنا بالصَّمْتِ طَعْنا

نَعَمْ .. ضِعْنَا .. وَضَيَّعْنَا وَصَايا مُحَمَّدِنَا(ص) .. وَبدَّلْنَا .. وَبِعْنَا

فَها الْيَوْمَ انْبَعَثْنَا مِنْ جَديدٍ .. وَصِحْناَ: يَا مُحَمَّدُ (ص) نَحْنُ تُبْنَا..


*** 

نَعَمْ .. تُبْنَا حَبيبَ اللهِ .. تُبْنَا .. وَعَانَقْنَا حَقائِقَنا .. وثُبْنا

أُسارى لِلْهَواجِسِ نَحْنُ كُنَّا .. نُلاعِبُ جُرْحَنَا كَمَداً وَجُبْنَا

فَفي الْميلادِ نُعْلِنُها جِهَاراً .. مُحَمَّدُ .. إنَّنَا هَا قَدْ بُعِثْنَا

خَلَعْنَا جُبَّةَ الإذْلالِ عَنَّا .. وَحُقَّ لَنَا اتِّبَاعُكَ حِينَ ثُرْنَا

فإنْ يَقْبَلْ جَنَابُكَ ذَاكَ مِنَّا .. شَدَوْنَا .. إي وَرَبِّ النَّاسِ فُزْنا !

***


بُعِثْنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ جَديدٍ .. عَلَى شَفَةِ الْقَصيدِ نَقُولُ .. عُدْنَا

عَلَى شَفَةِ الْقَصيدِ .. نُرَى رُوَاةً .. لَدَى التَّاريخِ مُنْبَهِراً .. وَقَفْنَا

لَدَى التَّاريخِ .. نَكْتُبُ مَا أرَدْنَا .. وَنَمْحُو مَا أرَادَ الْبَغْيُ مِنَّا

لَدَى التَّاريخِ .. نَكْتُبُ مِنْ دِمَانَا .. وَنُسْمي ما بِأمْسٍ كانَ يُكْنَى

لَدَى التَّاريخِ .. نَجْعَلُ مِنْ أسَانَا رِياضاً فيهِ مَدَّ الحُلْمُ غُصْنا

لِذَا عَيَّ المِدادُ وَكانَ طَلْقاً .. فَرَدَّدَ قَوْلَنا .. إذْ نَحنُ قُلْنَا


***

لِمَوْلِدِ حِبِّنَا في الروحِ أمْرٌ لِمَنْ بالشَّوقِ فيهِ كانَ مُضْنَى

إذَا لَمَعَتْ بَوارِقُ منْ بَعيدٍ لِمَشْرِقِهِ .. انْتَبَهْنَا وَقْتَ ذُبْنَا

تَرَى كُلَّ البُيُوتِ لَهُ اشْرَأبَّتْ نَوافِذُهَا .. فَلَيْسَ تُنيمُ جَفْنَا

تَسيلُ مَدَامِعُ العُشَّاقِ بَحْراً .. فَتَمْخُرُهَا قَوافي الشِّعْرِ سُفْنا

تراتيلُ الهُداةِ تَرِفُّ رَاياً .. وَأذكارُ السُّراةِ تُنيرُ حُسْنا

وأصواتُ الحُداةِ عَلى الحَنايا تَصُبُّ خُمُورَهَا وَتُميطُ رَيْنا

تَصُبُّ عَلَى المَطامِعِ مَاءَ زُهْدٍ .. وَتكْسو عارِياتِ الْفِكرِ مَعْنى

فَكَمْ في مَوْلِدِ الهادي سَعِدْنا .. وَكمْ في مَقْدَمِ الذِّكرى انْتَشَيْنا

وَكمْ رُضْنا عَواصي النَّفسِ فينا .. فكانَ شِفاؤُها غُنْماً وَمَغْنى

***

وَوَلىَّ يومُنا ولنا شُؤونٌ... فُرادى ... أوْ جَماعاتٍ وَمَثْنَى

نَقومُ لربِّناَ تَحْتَ اللَّيالي .. وَلِلْمُسْتَضْعَفينَ نَقُومُ عَوْنا

الاثنين، 14 يناير 2013

على آثارهم



في رثاء سَيِّدَيَّ الإمام عبد السلام ياسين والعارف المُعَمَّر محمد البقالي الجسني الداهري
(رحمهما الله تعالى)




مَضَتْ بَوَاكٍ وَرَاءَ النَّعْشِ تَتْبَعُهُ .. وَرُحْتُ أنْدُبُ نَفْسِي بَعْدَهُ وَجِلا

أكُلَّمَا أبْصَرَتْ عَيْنِي الضِّيَاءَ ضُحىً .. ألْفَيْتُ مِنْ جَفْنِهَا الدَّيْجُورَ مُنْسَدِلا

حُجُوبُ نَفْسٍ .. كأنَّ الدَّهْرَ رَاهَنَهَا علَيَّ دَوْماً .. فلاَ أنْفَكُّ مُنْخَذِلا

أرَى النَّسيمَ وَلَكِنْ لَسْتُ أُمْسِكُهُ .. أعْطَيْتُ كَفِّي الَّذِي لِلأنفِ قَدْ جُعِلاَ

حَولاً رَأيْتُ لَهَا .. لوْ مِنْهُ قَدْ بَرِئَتْ نَفْسٌ قَدِ امْتَلَأتْ مِنْ زَيْفِهَا أمَلا..

نَفْسٌ تَرَى كَتَدَ الأَمْجادِ أنَّ لَهَا مَدْحاً يُكَالُ .. ومَا مِكْيالُهُ اعْتَدَلا

نَفْسٌ تَرَى رَجُلاُ ثَبْتاً .. وقَدْ حَمِيَتْ نُفُوسُ قَوْمٍ .. لِغَيْرِ اللَّهِ مَا نَزَلا

قَدِ اعْتَلَى صَهْوَةَ الرِّضْوَانِ فِي ألَقٍ .. مضَى لِغَايَتِهِ .. وَالْقَصْدُ قَدْ حَصَلا

دُنْيَاكِ يِا نَفْسُ لَا تُغْري عُيُونَ غَدِي .. أنْتِ الْعَدُوُّ وَحَبْلي فِيكِ قَدْ فُتِلا

لَوْ قَدْ عَلِمْتُ عَدُوَّ العُمْرِ يَا عُمُري .. إذْ رَاحَ يَسْلُبُني أنْفَاسَهُ جَذِلا

إذَنْ .. لَمَا كُنْتُ مَنْ قَدْ كُنْتُ يَا عُمُري .. إذَنْ لَقَبَّلْتُ أعْتَابَ الَّذي رَحَلا
***

قَدْ جِئْتُ أرْثِي حَبِيباً غَابَ مَطْلَعُهُ .. فجَاءَنِي نَعْيُ حِبٍّ نَحْوَهُ انْتَقَلا

كَأنَّمَا دَارَةُ الأفْلاكِ قَدْ جُمِعَتْ لِطَيِّ أسْرَارِهَا .. والنُّورُ قَدْ أفَلا

وَالأرْضُ قدْ زُلْزِلَتْ قَبْلَ الأوَانِ وَلَمْ تَتْرُكْ لِذِي وَطَرٍ في الْكَوْنِ مُعْتَزَلا

فَأيُّ حِضْنٍ يَضُمُّ الْوالِهين غَداً؟.. وَأيُّ هادٍ يَسُدُّ النَّقْصَ وَالخَلَلا؟

أسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ جَهْلٍ وَمِنْ خَوَرٍ .. ومِنْ لِسَانٍ رَغَا فَاسْتَحْلَبَ الزَّلَلا

مَا غَابَ نَجْمٌ أحَبَّ النَّاسُ وَمْضَتَهُ .. إلاَّ انْبَرَى وَامِضٌ يَسْتَكْمِلُ الْعَمَلا
***

يا راثِياً عَابِرينَ الْمَجْدُ خَلَّدَهُمْ: مَا كَانَ يَرْثِي الَّذي مَا مَاتَ مَنْ عَقَلا

ﻷَنتَ أوْلَى بِهذا النَّعْيِ .. إنَّ فَماً لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ لِلأرْواحِ قَدْ قَتَلا

أوْلى بِهذا الرِّثاءِ الْيَومَ قافِيَةٌ تَخِبُّ في بَحْرِهَا .. وَالْحَرْفُ قَدْ ثَمِلا

تَخِبُّ في بَحْرِهَا .. وَالتِّيهُ بَوْصَلَةٌ مَا زَادَتِ الْفُلْكَ إلاَّ الْوَهْمَ وَالْخَطَلا

والْمَوْجُ فَكٌّ عَضُوضٌ نَحْوَها فُتِحَتْ أشْدَاقُهُ حَالِبَاتٍ .. وَالدُّجَى سُدِلا

فَمَا مَقَالي: قَصِيدِي سَهْمُ بَوْصَلَتي؟.. وَمَا احْتِفائي؟ .. إذا ما البَرُّ قَدْ بَخِلا؟

إنَّ الرِّثاءَ هُنا ذِكرُ الأُلَى عَبَروا .. منْ سَارَ في دَرْبِهِ لاَ يَلْتَوي وَصَلا

إنَّ الرِّثاءَ هُنا ذِكرى لِمَنْ صَبَروا .. ذِكْرى لِذي مُقْلَةٍ لاَ تَغْفُلُ الأجَلا

ذِكْرى السَّواعِدِ لِلإسْلامِ شَمَّرَها الرِّجَالُ لَمَّا دُعُوا .. والْبَغْيُ قَدْ رَغَلا

قامُوا فُرادَى .. وَكانَ الْكَوْنُ يَسْمَعُهُمْ .. كأنَّهُم أمَروا التَّاريخَ فَامْتَثَلا

وَقَالَ بَاغٍ : أذاكَ الْفَرْدُ يَفْعَلُهَا؟.. فَجَاءَهُ الرَّدُّ : إي وَاللَّهِ قَدْ فَعَلا
***

جُروحَ قَلبي .. أرَاكِ الْيَوْمَ نَازِفَةً .. كَذَّبْتِ نَفْساً تَغَنَّتْ : "جُرْحُكَ انْدَمَلا"

فَمَا الدَّوَاءُ؟ وَهَا كُلُّ الأنامِ غَدَت أشْخَاصُهُمْ حُجُباً .. آراؤُهُمْ سُبُلا؟

أبَعْدَمَا أشْرَعَتْ تِلْكَ السُّيُوفَ يَدِي، وقَامَ لي طَالِبي يَسْتَنْفِرُ الْحِيَلا؟

وَالرِّيحُ تَزْأَرُ بِالأنْواءِ سَاغِبَةً .. يَصيحُ بي الْغِمْدُ: عُدْ! يا صَاحِ .. حَيَّهَلا ..؟

أخْطَأتِ مَوْعِدَكِ المَيْمُونَ يَا رِئَتي .. فَالآنَ لا تَشْتَكِي.. لا تَنْفُخِي مَلَلا

اَلْيَوْمَ أنْتِ أمَامَ الرِّيحِ وَاقِفَةٌ .. فَلْتَشْهَقي يَأسَهَا .. ولْتَزْفُرِي الأمَلا


طنجة في 30 صفر 1434 هـ
الموافق لـ 12 يناير 2013 م


الثلاثاء، 1 يناير 2013

خواطر ليلية


حائرا مرة أخرى على مفترق الطريق أرقب عُجَرَ الناس وبُجَرَهم .. متعجبا مما أرى .. سرمديَّ الاندهاش أمام مجتمع يموج:

أعجب من شبابٍ خرجوا كأنهم على موعد مع الأقدار .. لينثروا في ليل أمتنا الأقمار.. حديثهم بسيط ولكنه شفيف.. وسعيهم حثيث ولكنه عفيف..أعجب من أب مثلي في حاله والمقال ولكن ما أجبنته الزوجة ولا أبخله الأطفال .. أعجب من قائل لكلمة حق دونها رقاب تطير وشرٌّ -يقال عنه- مستطير.. أعجب من فقير ذي عيال ولكن قلبه لا يعرف المحال .. وأعجب لطالب علمٍ شَيَّع قلبَه في خوض الغمار والسخرية من واهم الإسار وتأخير نيل الأوطار ليكتمل له المسار .. وأعجب من زاهد في عالم البهارج، ثابت بين زيوف النواصب والروافض والخوارج .. وأعجب من قائد بقوم للريح بصدره العاري وعالم لم يرقب في طلبه الحقيقة إلا القيوم الباري..
 
ولكني أعجب أيضا من أبٍ غافل وأم مُحرِّضة.. من عاشق حاقد ومن حسناء متمردة .. من واعظ طماع ومن فقيه خداع .. من داعية لله -بزعمه- خفيض الصوت، وداعية للباطل لا تبدو عليه معرفة الموت.. وأعجب من مثقف متكبر ومن سياسي متبختر ومن مستضعف بالأمس واليوم متجبر .. أعجب من وغد يقود، ومن لص يدعي الجود.. ومن شذاذ الآفاق كيف تطفو بهم برك النتن فإذا هم جلوس على موائد القرار.. ولكن الأعجب منهم مهادنُهم بدعوى الحفاظ على الاستقرار .. عجبي طويل من ذوي الأحكام القطعية والآراء النهائية .. ومثله من ممططي الشفاه، لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب.. أعجب لطالب الحق كيف ينزو فيذرب لسانه، وينقبض صدره فيشط به جنانه.. وكيف يحقد على مخالفيه فيتولد الباطل من فيه؟؟ مندهشا كنتُ وما أزال ممن يغيرون جلدهم كالأفاعي بين صبح العمر وبين العشية.. متعلما من كثير من آحادهم أن تغيير الجلد دركات..متيقنا أن تغيير القشرة النهائية بشكل قاطع وفجّ إنما يبدأ من تغيير جلدة القلب.. ويحكِ أيتها الرقطاء من قلبي.. لقد فطنت لكِ منذ زمان ولكني غالطت فراستي فيك .. ويحكِ فالزمان يدور كالرحى .. سوى أني -مع الأسف- لستُ ممن يتقنون فنَّ الشماتة حتى أذكرك بيوم تغيير المسار وليلة أوليت المرآة ظهرك المحدودب كي تتوهمين لك صورة أخرى .. ليلة اتخذت القرار.. يوم بعت نفسك لشويطين لن يلبث أن يتغول ويمرد حتى يستقيم شيطانا شديد البأس..
 
أيها الإخوان حذار من مجتمع نكره فيه أنفُسَنا.. إن كراهية النفس نهاية طريق تبدأ بكراهية الآخرين..علينا أن نتعلم الحبّ .. والحب علمٌ لو تدرون!! أوله عند قلبك وآخره تحت عرش الرحمن.. وبينهما تتدلى عناقيد الحلول لبؤسنا المزمن.. حيَّ على الحبّ أبها الناس.. الشجاعةَ الشجاعة.. الحب شجاعة.. شجاعة ضد عدو خبيث جاثم بين أضلعنا نخاف أن ننظر إليه، نخاف أن نكلمه، نخاف أن نكممه، نخاف أن نغله بله أن نقتلعه..
 
هُوَ الحُبُّ حَتَّى لا شَقَاءَ وَلا عَنَا + وَحَتَّى كَأنَّ النُّورَ ظِلُّ قَدِ انْحَنَى

في رثاء الإمام الجليل عبد السلام ياسين-مقر جماعة العدل والإحسان بطنجة


شرفنا الإخوان بإتاحة هذه الفرصة الطيبة للمشاركة معهم في وداع المربي والمرشد والمفكر والفقيه سيدي علبد السلام ياسين رحمه الله ونور مرقده وآنس وحشته وأعلى مقامه في عليين.. وألحقنا به تائبين طائعين لله رب العالمين