الثلاثاء، 21 يناير 2014

على حافة الأرق



      


             اتصلتُ بأستاذي وحبيبي سيدي المقرئ الإدريسي أبي زيد حفظه الله للاطمئنان عليه، شأني في ذلك شأنَ كثيرٍ من محبيه وتلامذته، وكانت الحملة عليه في أوجها .. وكنتُ بدأتُ أفَكِّرُ في أبيات أكتُبُها بما كانَ من أمره .. ولكني ظللتُ مترددا إن كان هذا يليق أم لا يليق .. وبعد أيام حظيتُ بجواب منه .. حدثني وكان أفضل من الأيام الأولى على ما وصف لي بعض أحبابنا .. فطمأنني عليه وكان مما قال "كنتُ في أرقي الطَّويل والهواتفُ ترنُّ علَيَّ بالإذايَةِ أقولُ لعلَّ فيصلا قد كتَبَ شيئا!!" فكَبُرَ عليَّ أني ما ابتَدَرْتُه بها، وأني تقاعستُ عن نُصرته رضي الله عنه بهذا القليلِ الذي أُحْسِنُه بعضَ إحسان وهو الذي لم يَبْخل عَلَيَّ بالجَمِّ الَّذي يُتْقِنُهُ كثيرَ إتقان!!! امتدَّ حديثٌ أخَويٌ أبَوِيٌّ بيننا .. وما إنْ أنهينا الاتصال حتى آنستُ ذلك الدبيب المحبَّبَ ينمو بصدري .. نعم هي رياح مواتية .. فلأشرع القلم!!



"أرَقٌ عَلَى أرَقٍ"1 .. وَمِثْلُكَ يَأرَقُ .. بِحَشًى يَميدُ ..وَمُهْجَةٍ تَتَحَرَّقُ
 
سَعْدُ اللَّيالي .. فَخْرُها .. أنْ كُنْتَ بَدْرًا في دُجاهَا ساهِرًا يتَألَّقُ
 
حَسَدَتْهُ فيكَ الشمسُ .. مَنَّتْ نَفْسَها .. لَوْ أنَّهَا في اللَّيلِ يومًا تُشْرِقُ
 
لم يُسْلِها إلاَّ بأنَّ نَهارَها سَبْحٌ به تَغْدو .. تَروحُ ..وتَنْطِقُ
 
تَبْنِي .. تُشِيعُ العزمَ ..تُطْعِمُ جائعا .. تَأسُو جريحا بالحِمَى يَتَعَلَّقُ
 
تَغْشَى ميادينَ الْمُروءَةِ كُلِّها .. فكأنَّكَ الرُّؤيا إذا2 تَتَحَقَّقُ
 
* * *

يا أيُّها العَلَمُ الْمُبينُ عَنِ الْهُدى .. يا راضِيَا بحياتِهِ يَتَصَدَّقُ
 
يا أيُّها الغُصنُ الشَّريفُ بدوحَةٍ نَبَويَّةِ النَّفَحاتِ مِسْكاً يَعْبَقُ
يا 
عاشِقًا لِلْمُصْطَفى .. لا غَرْوَ أنْ تَهْفُو الفُروعُ لأصْلِها تَتَعَشَّقُ
 
إنَّ الزمانَ أتى أماسِيًّا أتَيْتَ بها - وهُنَّ بناتُه - يَتَملَّقُ
 
وأناخَ فيها عندَ شُرْفَتِكَ الَّتي أعْلَيْتَها .. ﻷريجِها يَتَنَشَّقُ
 
تَهْفو إليكَ بها القُلوبُ كأنَّها عَطْشَى الجِمالِ لواحَةٍ تَتَدَفَّقُ

 وتَمُرُّ هَوْناً بَيْنَها .. كالنَّسْرِ يَخْفِضُ ثُمَّ يَنْفُشُ ريشَهُ .. وَيُحَلِّقُ
 
وَتَرى الأُلى حَضَروا أبارِيقًا .. بِهَا سَكَبَتْ يَمينُكَ ما حَشاكَ يُعَتِّقُ
 
جَبَلاً لَهُمْ .. كَمْ أشْرَفَتْ مِنْ فوقِه هاماتُهُمْ .. لاذوا بِهِ وتَسَلَّقوا
 
وَتَعَلَّمُوا رُقْيَا الْمَدارِجِ .. والنُّهَى .. وَمَفاتِحَ الأقْوالِ إذْ تُسْتَغْلَقُ
 
قُلْ لْلأُلىَ قَدْ أنْكَروهَا: "إنَّنَا قَوْمٌ نَخُطُّ عَلَى الْجَمادِ فَينطِقُ ..
 
وَتَمسُّ نَبْرَتُنا الكَمانَ مُمَزَّقاً .. فإذا النُّفوسُ بِلَحْنِهِ تَتَمَزَّقُ ..
 
خَفَقانُ أفْئِدَةِ الأحِبَّةِ جَاوَبَتْ ما عندَنا بَيْنَ الْحَنايا يَخْفِقُ ..!"
 
يا سَيِّدي .. إنْ أجْدَبَتْ كَلِمَاتُكُمْ فيهِمْ .. فَبعضُ التُّرْبِ سَبْخٌ مُمْلِقُ
 
وَمِنَ النُّفوسِ - كَما عَلِمْتَ - شَحائِحٌ .. واللُّؤمُ نَبْتٌ مالِحٌ لا يورِقُ
 
* * *

"أرَقٌ عَلَى أرَقٍ" -فُدِيتَ- أتَأْرَقُ؟ .. لِلْحِقْدِ يَعْوي؟ للرَّذيلَةِ تَنْعَقُ؟
 
لِلْجُبْن مَاءَ مُمَطِّطًا مِنْ ذَيْلِهِ؟ .. لِتَوَعُّدِ الْجُبَناءِ حينَ تَحَلَّقُوا؟
 
لِلأحْمَقِ الْمُعْتَلِّ؟ .. للنَّزِقِ الَّذي عَرَّيْتَهُ؟ .. ذاكَ الْغَبِيُّ الأخْرَقُ؟
 
لِمَعارِكِ النَّصْرِ الْمُبينِ .. أدَرْتَها .. فَتَضَعْضَعوا مِنْ دونِهَا وتَخَرْبَقُوا؟
 
نَمْ ! يا سَلِمْتَ .. فَلَيْسَ تَزْأرُ فَأرَةٌ .. أوْ كانَ لَفْحُ الشَّمْعِ يومًا يُحْرِقُ
 
نَمْ ! يا سَلِمْتَ .. فَدُكْنَةُ السُّحُبِ الْمُلِثَّةِ خَلْفَها مَسَدُ الْحَقائِقِ يَبْرُقُ
 
والعاشِقونَ وَقَدْ رَأوْكَ مُضَرَّجًا بالْحُزْنِ .. شَدُّوا عُقْدَةً لاَ تُفْرَقُ

* * *

"أرَقٌ عَلَى أرَقٍ" .. وغيرُكَ يَأرَقُ .. بِخُلوفِ قَولِكَ ماذِقًا يَتَمَطَّقُ
 
شَرُّ الوُجوهِ هِيَ الَّتي بَرِئَ القَفَا مِنْهَا .. وكانَ العارُ مِنْها يُشْفِقُ
 
عَفْواً تَقُولُ .. وَهُمْ يَقولُونَ الْخَنَى قَصْدًا .. وَيَمْدَحُهُ النِّفَاقُ الأَزْرَقُ
 
النَّاسُ تَعْرِفُ أهلَها .. والأرضُ تَشْكُرُ قَطْرَهَا .. والخائِبونَ تَحَذْلَقُوا
 
والماءُ عندَ القُلَّتَيْنِ بَريئةٌ قَطَراتُه مِنْ بَعْضِ ما قَدْ يَعْلَقُ
 
يَكْفي أبا زَيْدٍ دُعاءُ يَتيمَةٍ .. سَكَنَتْهُ والأبْوابُ عَنْهَا تُغْلَقُ
 
تَكْفِيهِ أرْمَلَةٌ .. ويَكْفي أنَّه فِي القُدْسِ والأقْصَى عَطاءٌ مُطْلَقُ
 
والبُوسْنَةُ الغَرَّاءُ مَدَّتْ جيدَها .. فَبَدَا بِحُسْنِ صَنيعِهِ يَتَطَوَّقُ
 
والكُتْبُ تُنْسَى كانَ يُذْكِرُهَا الْمَلاَ .. والكاتِبونَ بِفَضْلِهِ قَدْ أُغْرِقُوا
 
أنا واحِدٌ منْ فِتْيَةٍ .. كَلِماتُهُ لَحْمي وأعْصابِي الَّتي تَتَفَتَّقُ
 
أنا واحِدٌ مِنْهُمْ .. وَعْنديَ إخِوْةٌ فيهِ الْتَقَوْا .. وَعَلَى الْجِهاتِ تَفَرَّقُوا
 
لَمْ يَعْشَقُوا الأَلْقَابَ تَطْرُقُ بابَهُ .. كَسْبٌ بِهِ حَتَّى الأراذِلُ تُرْزَقُ
 
عَشِقُوهُ .. لاَ لِلْمَجْدِ حَطَّ بِبَابِهِ .. بَلْ لِلْهُدَى في نَبْرِهِ يَتَأَلَّقُ
 
عَشِقُوهُ .. لِلصِّدْقِ الَّذي عُجِنَتْ بِهِ أخْلاقُهُ .. فَتَبَيَّنوهُ .. وَحَقَّقُوا
 
ذاقُوا الْمَحَبَّةَ مِنْ كُؤوسِ كَلامِهِ .. حَتَّى ارْتَوَوْا .. فَتَوَلَّهوا وتَشَوَّقُوا

* * *

يا سِبْطَ آلِ البَيْتِ إنِّي ذاكِرٌ لَكَ عِنْدَ رَبّي ما بِقَلْبِي يَصْفِقُ
 
شَوقًا لأحْمَدَ .. كُنْتَ مُذْكِيَ جَمْرَةٍ شَبَّتْ بِهَا نارُ الْمَحَبَّةِ تُحْرِقُ
 
حَدَّثْتَنَا عنْ غارِهْ .. عَنْ كَيْفَ كانَ يَلُفُّهُ ذاكَ السُّكونُ الْمُطْبِقُ؟
 
عَنْ روحِهِ الخَفَّاقِ يَعْتَزِلُ الوَرى .. عَنْ قَلْبِهِ كَيْفَ احْتَواهُ الْمُطْلَقُ؟

 حَتَّى إذا الأشْتاتُ رَتَّلَهَا الْحِجَى انْفَلَقَ الدُّجَى .. والْغَيْبُ جاءَ يُصَدَّقُ
 
يا سِبْطَ آلِ الْبَيْتِ إنَّكَ غَالِبٌ .. عِقْدُ الإلَهِ لَكُمْ حَكيمٌ أَوْثَقُ
 
يا سَيَّدي حَسْبُ الدِّمَا أنْ زانَهَا دَمُ أحْمَدٍ بِعُروقِكُمْ يَتَدَفَّقُ



  1هذا اقتباس من مطلع قصيدة أبي الطيب الشهير ة إذ يقول: “أرقٌ على أرق ومثلي يأرق"
  2قد قلتُ: "فكأنك الرؤيا إذا تتحقَّقُ" (أي عندما تَتَحَقَّقُ) .. ورأى أخي الحبيب سيدي محمد الحاج قاسمي أن أقولَ "إذَنْ تَتَحَقَّقُ" فإكراما لصادق مودته لحبيبنا أبي زيد أثْبتُها ههنا .. ولقارئٍ أن يختار التي يراها أحب إليه